وبعيدا عن الياميش( أو النقل) تغني الشعراء بالأكلات الرمضانية التي يعشقها كل منهم, فلكل صنف من المأكولات الرمضانية شاعر يتغزل بطعمه, ولايعرف لشهر الصوم معني بدونه.
فالشاعر ابن نباته المصري كان محبا للتمور, عاشقا لها, ذواقة يميز الجيد من الرديء, وأهداه أحدهم يوما قفة تمر ففرح بها, لكنه صدم حين وجده غير صالح للأكل فقال لصاحبه:
أرسلت تمرا, بل نوي فقبلته
بيد الوداد فما عليك عتاب
وإذا تباعدت الجسوم فودنا
باق, ونحن علي النوى أحباب
والنوى الثانية معناها البعد والفراق
وكان للكنافة أيضا شعراؤها, وأشهرهم الشاعر المملوكي أبو الحسين الجزار.
وحدث ذات رمضان أن حالت ظروفه المادية دونه وأكلته المفضلة, فكتب إلى صديق له مستعطفا أن يجود عليه بقطعة كنافة:
ما رأت عيني الكنافة إلا
عند بياعها علي الدكان
كم ليلة شبعت من الجو
ع عشـاء اذ جزت بالحلواني
حسرات يسوقها الطرف
للقلب فويل للفكر عند البيان
ومن الحكايات الطريفة التي تروي عن القطائف أن أحد بخلاء العصر العباسي, كان لديه طبق منها نسي أن يأكله, ففسدت فخشى البخيل أن يأكل ما في الطبق فيمرض, ولم يطاوعه قلبه علي رمي القطائف, فأهداها الي الشاعر جحظه البرمكي, وكان الأخير من مشاهير المتطفلين في زمانه, فما أن رأي الطبق حتي انكب يلتهم القطائف غير عابئ بطعمها الحامض, فتعجب البخيل وندم, وحاول استرجاع ما تبقي من القطائف بحجة خوفه علي جحظه من الموت لأنها تالفة لكن عبثا, فقال جحظه راويا الحكاية:
دعاني صديق لأكل القطائف
فأمعنت فيها وما كنت خائف
فقال بحزن: رويدا ومهلا
فإن القطائف احدى المتالف
فقلت له: ما سمعنا بميت
يقال عليه قتيل القطائف!
وللفول أيضا عشاقه, وهو وجبة ما كانت تخلو منها في الماضي مائدة رمضانية سواء أكان صاحبها غنيا أم فقيرا, ومن ذلك قول الشاعر ياسر قطامش:
بالفول تحيا حياتي
هات المدمس هات
وسبقه إلى هذا العشق الشاعر هاشم الرفاعي الذي برغم عشقه للفول, اشتكى في أحد أشهر رمضان الكريم اضطراره اليه وحده لعدم قدرته علي شراء غيره:
الفول أكلي ماحييت وإنني
متحرق شوقا الي القلقاس
البطن خاو كالجيوب واشتهي
ما في المسامط من لحوم الراس
وفي شهر رمضان الكريم يحلو السهر وتطول جلسات الأصدقاء وتمتد, وكثيرا ما يسرقهم الوقت, فلا يشعرون إلا بوقت السحور قد حل ولا يوجد طعام كاف, وهو ما حدث للشاعر د. مصطفي رجب في عزومة سحور لم تشبعه:
قصة بعد قصة بعد أخرى
تلو أخرى ودق طبل السحور
قطرات لو أنها من سموم
ما أضرت بعنكبوت قصير
عينات لا تبطل الصوم أصلا
هينات كدمع طفل صغير
ونصل إلى فوازير رمضان, احدي ابرز سمات هذا الشهر الفضيل, ومن أشهر الذين أبدعوا في هذا اللون شاعر العامية الكبير بيرم التونسي, الذي كان يجيد صياغة الفزورة ويموه عليها بسياج من الحبكة, ومن المواضيع التي اختارها لفوازيره الاذاعية الرائدة في أحد الرمضانات قوله.
رمضان بيقول لي
واحدة بملاية
قدامي أميرة
ومصيبة ورايا
تمدحني في وشي
وتقول لي يا آيه
وعيوبي الفارغه
تعملها روايه
والمثل الساير
تقولوه ويايه
والمثل الساير الذي يقصده بيرم هنا هو في الوش مراية وفي القفا سلاية
اما الشاعر ياسر قطامش, فقد اتخذ من اطعمة شهر رمضان موضوعا لفوازيره, ومن ذلك قوله:
ذات الشعور الناعمة
في الشهد دوما عائمة
محمرة محشية
تغري البطون الصائمة
مثل اللطافة اسمها
وفي الصواني نائمة
كنا بداية اسمها
و آفة في الخاتمة
والفزورة- كما هو واضح- تدور حول الكنافة
تبقي أن نشير الي أن هذا اللون من الأدب الفكاهي ليست وظيفته مجرد الاضحاك, لكنها أسمي من ذلك كثيرا, إذ له وظيفة اجتماعية نقدية, وأذكر انني سألت يوما اديبنا الراحل نجيب محفوظ عن سر اختفاء الأدب الفكاهي من حياتنا, فقال لي إن هذا اللون من الأدب يحتاج الي شعراء من العيار الثقيل.